الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وقال كعب: إن السموات في العرش: كالقنديل معلَّق بين السماء والأرض.وروى إسماعيل بن أبي خالد عن سعد الطائي قال: العرش ياقوتة حمراء.وإجماع السلف منعقد على أن لا يزيدوا على قراءة الآية.وقد شذَّ قوم فقالوا: العرش بمعنى الملك.وهذا عدول عن الحقيقة الى التجوُّز، مع مخالفة الأثر؛ ألم يسمعوا قوله تعالى: {وكان عرشه على الماء} [هود: 7] أتراه كان المُلك على الماء؟ وكيف يكون الملك ياقوتة حمراء؟ وبعضهم يقول: استوى بمعنى استولى؛ ويحتج بقول الشاعر: ويقول الشاعر أيضًا: وهذا منكر عند اللغويين.قال ابن الأعرابي: العرب لا تعرف استوى بمعنى استولى، ومن قال ذلك فقد أعظم.قالوا: وإنما يقال استولى فلان على كذا، إذا كان بعيدًا عنه غير متمكن منه، ثم تمكن منه؛ والله عز وجل لم يزل مستوليًا على الأشياء؛ والبيتان لا يعرف قائلهما، كذا قال ابن فارس اللغوي.ولو صحّا، فلا حجة فيهما لما بيَّنَّا من استيلاء من لم يكن مستوليًا.نعوذ بالله من تعطيل الملحدة وتشبيه المجسمة.قوله تعالى: {يغشي الليل النهار} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر: {يُغْشي} ساكنة الغين خفيفة.وقرأ حمزة، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم: {يُغَشّي} مفتوحة الغين مشددة؛ وكذلك قرؤوا في الرعد قال الزجاج: المعنى: أن الليل يأتي على النهار فيغطيِّه؛ وإنما لم يقل: ويغشي النهار الليل، لأن في الكلام دليلًا عليه؛ وقد قال في موضع آخر: {يكوِّر الليل على النهار ويكوِّر النهار على الليل} [الزمر: 5].وقال أبو علي: إنما لم يقل: يغشي النهار الليل، لأنه معلوم من فحوى الكلام، كقوله: {سرابيل تقيكم الحر} [النحل: 81] وانتصب الليل والنهار، لأن كل واحد منهما مفعول به، فأما الحثيث: فهو السريع.قوله تعالى: {والشمسَ والقمرَ والنجومَ مسخراتٍ} قرأ الأكثرون: بالنصب فيهنَّ، وهو على معنى: خلق السموات والشمس.وقرأ ابن عامر: {والشمسُ والقمرُ والنجومُ مسخراتٌ} بالرفع فيهن هاهنا وفي [النحل: 12]، تابعه حفص في قوله تعالى: {والنجوم مسخرات} في [النحل: 12] فحسب.والرفع على الاستئناف.والمسخرات: المذلَّلات لما يراد منهنَّ من طلوع وأفول وسير على حسب إرادة المدبّر لهنَّ.قوله تعالى: {ألا له الخلق} لأنه خلقهم {والأمر} فله أن يأمر بما يشاء.وقيل: الأمر: القضاء.قوله تعالى: {تبارك الله} فيه أربعة أقوال:أحدها: تفاعل من البركة، رواه الضحاك عن ابن عباس؛ وكذلك قال القتيبيُّ، والزجاج.وقال أبو مالك: افتعل من البركة.وقال الحسن: تجيء البركة من قِبَله.وقال الفراء: تبارك من البركة؛ وهو في العربية كقولك: تقدس ربنا.والثاني: أن تبارك بمعنى تعالى، رواه أبو صالح عن ابن عباس.وكذلك قال أبو العباس: تبارك ارتفع؛ والمتبارِك: المرتفِع.والثالث: أن المعنى: باسمه يُتبرَّك في كل شيء، قاله ابن الانباري.والرابع: أن معنى تبارك: تقدس، أي: تطهر، ذكره ابن الأنباري أيضًا. اهـ.
واستوى الرجل أي انتهى شبابه.واستوى الشيء إذا اعتدل.وحكى أبو عمر بن عبد البر عن أبي عبيدة في قوله تعالى: {الرحمن عَلَى العرش استوى} [طه: 5] قال: علا.وقال الشاعر: أي علا وارتفع.قلت: فعلوّ الله تعالى وارتفاعه عبارة عن علوّ مجده وصفاته وملكوته.أي ليس فوقه فيما يجب له من معاني الجلال أحد، ولا معه من يكون العلوّ مشتركًا بينه وبينه؛ لكنه العليّ بالإطلاق سبحانه.قوله تعالى: {عَلَى العرش} لفظ مشترك يطلق على أكثر من واحد.قال الجوهري وغيره: العرش سرير الملِك.وفي التنزيل {نَكِّرُواْ لَهَا عَرْشَهَا} [النمل: 41]، {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى العرش} [يوسف: 100].والعرش: سقف البيت.وعرش القدم: ما نتأ في ظهرها وفيه الأصابع.وعرش السِّماك: أربعة كواكب صغار أسفل من العَوّاء، يقال: إنها عَجُز الأسد.وعرش البئر: طيُّها بالخشب، بعد أن يُطْوَى أسفلها بالحجارة قدر قامة؛ فذلك الخشب هو العرش، والجمع عروش.والعرش اسم لمَكَّة.والعرش الملك والسلطان.يقال: ثُلّ عرش فلان إذا ذهب ملكه وسلطانه وعزّه.قال زهير: وقد يؤوّل العرش في الآية بمعنى المُلْك، أي ما استوى المُلْك إلا له جل وعز.وهو قول حَسَن وفيه نظر، وقد بيّناه في جملة الأقوال في كتابنا. والحمد لله.قوله تعالى: {يُغْشِي الليل النهار} أي يجعله كالغِشاء، أي يذهب نور النهار ليتم قوام الحياة في الدنيا بمجيء الليل.فالليل للسكون، والنهار للمعاش.وقرئ {يغشى} بالتشديد؛ ومثله في الرعد.وهي قراءة أبي بكر عن عاصم وحمزة والكسائي.وخفّف الباقون.وهما لغتان أغْشَى وغَشَّى.وقد أجمعوا على {فَغَشَّاهَا مَا غشى} [النجم: 54] مشدّدًا.وأجمعوا على {فَأغْشَيْنَاهُمْ} [يس: 9] فالقراءتان متساويتان.وفي التشديد معنى التكرير والتكثير.والتغشية والإغشاء: إلباس الشيء الشيء.ولم يذكر في هذه الآية دخول النهار على الليل، فاكتفى بأحدهما عن الآخر؛ مثل {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الحر} [النحل: 81].{بِيَدِكَ الخير} [آل عمران: 26].وقرأ حُميد بن قيس {يغشى الليلَ النهارُ} ومعناه أن النهار يغشى الليل {يَطْلُبُهُ حَثِيثًا} أي يطلبه دائمًا من غير فتور.و{يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ} في موضع نصب على الحال.والتقدير: استوى على العرش مغشيًا الليل النهار.وكذا {يَطْلُبه حَثِيثًا} حال من الليل؛ أي يغشي الليل النهار طالبًا له.
|